الفنان محمود مختار ... درس في التربية الفنية ....
--------------------------------------------------------------------------------
الفنان محمود مختار
ولد "محمود مختار" فى بلدة "طنبارة" وهى قرية بالقرب من مدينة المحلة الكبرى بوسط الدلتا، كان ميلاده يوم 10 مايو عام 1891.. أبوه هو "الشيخ ابراهيم العيسوى" عمدة القرية ولم تكن أمه هى الزوجة الأولى، كما كانت تصغر ابيه بشكل ملحوظ، ولم تلبث الخلافات ان نشبت بين الزوجات فأنتقل مختار ليعيش مع جدته لامه فى بيت خاله بقرية "نشا" بالقرب من مدينة المنصورة حيث تعلم فى كتابها.
وعرف عن مختار أنه خلال طفولته بالريف كان يقضى معظم وقته بجوار الترعة يصنع من طينها اشكالاً وتماثيل تصور بعض المشاهد التى يراها فى قريته مثل النسوة وهن يحملن الجرار، أو حيوانات الحقل وهى تجر المحراث أو تدرس القمح.. وغير ذلك من مشاهد الريف.
واجتاح وباء الكوليرا قرى مصر فى منتصف العقد الأخير من القرن الماضى فحصد الاطفال لكن مختارا نجا، ومعه اقطاب هذا الجيل الذين صنعوا تاريخ مصر فى الربع الاول من القرن العشرين وما ان انزاح وباء الكوليرا حتى عاد الى أحضان أمه التى انفصلت عن ابيه وانضمت الى بيت أسرتها فى قرية "نشا".. ويواصل الصبى حياته كأبناء الفلاحين، يتعلم فى الكتاب ويخرج الى الحقل مع ذويه يتعلم فنون الاشراف على الزراعة وممارستها.
واستمع الصبى لحكايات الفلاحين، وكانت من بينها حكاية عن جده الذى نفى الى السودان فى عهد حكم الخديوى اسماعيل، لتمرده على الظلم الذى وقع على الفلاحين من اجل جباية الضرائب، وكانت قصة هذا النفى تروى اليه بصياغات مختلفة كأنها من الاساطير، ويضاف اليها حكايات عن حياته فى المنفى وكيف علم أهل السودان الزراعة ورشدهم الى صناعة الشواديف لرفع الماء.. وهكذا تداخلت قصة الجد مع الاسطورة المصرية القديمة عن "أوزوريس" الذى علم سكان مصر الزراعة قبل بداية التاريخ.
وقررت الام ان تنتقل الى القاهرة للعلاج الذى قد يطول.. وطلب مختار ان يلحق بها، لكنه لقى معارضة أقاربه.. حتى عزم أمره على السفر هارباً بمفرده.. وفى الطريق قابله خاله الشيخ "محمد أبو غازى" (والد المرحوم بدر الدين أبو غازى)، فرأف بحاله وصحبه الى أمه التى كانت تقيم فى حى "الحنفى" بجوار حى عابدين.. كان ذلك عام 1902 ولم يبلغ مختار عامه الحادى عشر، والتحق بإحدى المدارس الابتدائية ليكمل تعليمه. تقل مختار الى القاهرة ليعيش فى بيئة تسودها تقاليد الحارة المصريه
انتقل مختار الى القاهرة ليعيش فى بيئة تسودها تقاليد الحارة المصرية، حيث يختلط السكان ويتعاونون مهما تفاوتت مستوياتهم، التلاميذ واصحاب المتاجر والصناع والموظفون هذه البيئة الشعبية تحوطها عمارة القاهرة الاسلامية بفنونها العريقة، فتبهره مآذن مساجدها ويتعلم من ابناء الحى اكثر مما يتعلمه فى المدرسة.
كانت طفولته فى الريف تطل على الحقول الواسعة المنبسطة والحياة بأيقاعها البطىء، وفى القاهرة كان الضوء الساطع بالنهار يعكس ظلالاً حادة على زخارف عمارة المساجد والبيوت القديمة، فتوقظ لدى الصبى الحساس الرغبة فى التشكيل المجسم، وتثير حاسة اللمس لديه، وتوقظ الرغبة فى تحسس هذه الزخارف المجسمة.. فالاضاءة القوية والحياة معظم الوقت خارج الاماكن المغلقة يحقق الميل الى التجسيم واقامة الاشكال ذات الابعاد الثلاثة القادرة على اعطاء مماثل صادق لهذه البيئة.وهكذا كانت الصورة التى تشبعت بها عيناه خلال طفولته وصباه، فى الريف ثم فى الحى الشعبى بالقاهرة، هى صورة متكاملة ترسم ملامح مصر فى ذلك الوقت