بسم الله الرحمن الرحيم
المقدمة
ان التراث العلمي لأي أمة انما هواثمن ما تخلفه هذه الامة لأجيالها , حيث تتمثل فيه حضارتها واصالتها , ومن خلاله تتبوأ مكانتها بين الامم. والعلماء العرب كالشجرة التي ضربت جذورها في بقاع الارض وتراثهم العلمي , ليس عملا تاريخيا مضى وولى , انما هو عمل استمراري في حياتنا. فقد كان للعرب دور مهم في قيام الحضارة , واثرهم واضح في تقدم العلوم ونقلهتا الى الغرب. ومع ذلك يعمد البعض الى تشويه صفحات لامعات من تاريخ العرب لمآرب اصبحت غير خافية على احد.
وعلى الرغم من هذا كله , وجد بين العلماء الغربيون من قام بكشف الحقائق وانصاف العرب , ولأن الواقع التاريخي يدعو للوصول الى الحقيقة , فقد قال ( سارطون) :
"ان بعض المؤرخين يصرحون بأن العرب نقلوا العلوم القديمة ولم يضيفوا اليها شيئا ما وانهم لم يكونوا الا نقلة ماهرين ولم يعرفوا الا جانبها النظري"
ويتابع (سارطون)
"بان هذا الرأي خطأ وانه لعمل عظيم ان ينقل الينا العرب كنوز الحكمة اليونانية ويحافظوا عليها معتبرا ان العرب كانوا اعظم معلمين في ا لعالم".
اما (ديفو)
فقد اعتبر ان الميراث الذي تركه اليونان لم يحسن الرومان القيام به , اما العرب فقد اتقنوه وعملوا على تحسينه وانمائه حتى سلموه الى العصور الحديثة.
ويقول (سيديو) :
"ان العرب هم في واقع الامر اساتذة اوروبا في جميع فروع المعرفة".
ففي الطب ثبت ان للعرب فضلا كبيرا في حفظه من الضياع وفي الاضافات المهمة اليه , ثم نقل ذلك الى اوروبا. فقد رفع العرب شأن الطب , وكان لهم فضل السبق في فصل الجراحة وجعلها قسما منفصلا عنه , ووضع قواعد للصيدلة وانشاء مدارس لها , واختراع انواعا جديدة من الادوية والعقاقير , وعرفوا خصائصها وكيفية استخدامها. وفي الكيمياء كان للعرب اضافات وابتكارات , جعلت من جابر بن حيان في الكيمياء ما لأرسطو في المنطق , فقد اسس مدرسة كيميائية ذات تأثير كبير في الغرب , وكان اثرهم واضحا في التحليل والتطبيق. وكانوا مبدعين مبتكرين فأوجدوا التقطير والترشيح والتصعيد والتذويب والتبلور والتكليس وكشفوا بعض الحوامض والمركبات , وهم اول من استحضر حمض الكبريت وماء الذهب. وفي علم البصريات وصلوا الى اعلى الدرجات , وثبت ان (كبلر) اخذ معلوماته عن ابن الهيثم واثر ابن الهيثم لا يقل عن اثر ( نيوتن) في الميكانيك. وفي الفلك احدثوا نهضة معروفة , وذلك عن طريق نقل الكتب الفلكية القديمة وتصحيح اغلاطها والتوسع فيها , وتبدو عظمة هذا العمل إذا عرفنا ان اصول هذه الكتب ضاعت , ولم يبق منها غير الترجمة العربية.
ومن خلال اعمال العلماء العرب والمسلمين وابحاثهم ومؤلفاتهم , تتجلى لنا مآثر العرب في الطب و الصيدلة والكيمياء والنبات والرياضيات وعلم الاجتماع وغير ذلك من العلوم. وعلى الرغم من كل هذا يردد بعض الغربيين المتعصبين ان العرب كانوا نقلة عن اليونان فليس لهم اصالة فكرية ولا عقلية فلسفية. هنا نقول لهم ببساطة : انه حتى لو لم يكن للعرب - على حد زعمهم - من الاثر الا انهم انقذوا هذه الكتب من الضياع , وحفظوها من طغيان الجهالة , حتى ادوها صحيحة نقية الى العصور الحديثة ولكن وللحق نقول ان العرب لم يقفوا عند ذلك , فقد ترجموا وحققوا ودققوا واخترعوا وبحثوا واكتشفوا , وكتبهم تشهد على ذلك وهذه بقايا مدارسهم تشهد على مآثرهم العلمية.
وهناك بعض شهادات الغربيين التي يقرون بها بفضل علماء العرب حيث يقول (كاجوري) في كتابه تاريخ الرياضيات :
"ان العقل لتملكه الدهشة حينما يقف على اعمال العرب في الجبر في مادة المثلثات ان العرب اول من ادخل المماس في عداد النسب المثلثية وهي الجيب والتجيب كما نعلم وهم الذين استبدلوا الجيوب بالأوتار وطبقوا الجبر على الهندسة وحلوا المعادلات التكعيبية"
ويقول :
"ان علم المثلثات علم عربي".
اما المؤرخ جورج ملر فيقول في كتابه( فلسفة التاريخ ):
"ان مدارس العرب في اسبانيا كانت مصادر العلوم ويتلقون فيها العلوم الطبيعية والرياضية وما وراء الطبيعة"
وممن ورد تلك المناهل الراهب الفرنسي (جوبرت) فقد ثقف علوم اللاهوت في اوروبا من مسقط رأسه جاب البيرانس والوادي الكبير حتى ورد اشبيلية , فدرس فيها وفي قرطبة الرياضيات والفلك ثلاث سنين , ثم ارتد الى قومه ينشر فيهم نور الشرق وثقافة العرب , فرموه بالسحر والكفر. ولكنه ارتقى الى سدة البابوية سنة 999 باسم سلفستر الثاني .
ونذكر في نهاية حديثنا بان الراهب الانكليزي ( روجر بكون ) كان يدعوا في كتبه لشعبه بتعلم اللغة العربية وقد قال:
"ان الله يوتي الحكمة من يشاء ولم يشأ ان يؤتيها اللاتين وانما اتاها الاغريق والعرب".
ومن هؤلاء العلماء العرب
1-
محمد بن موسى الخوارزمي
لقد كانت أيدي الحضارة الإسلامية بيضاء في العلوم الإنسانية, وكان للشيخ محمد بن موسى الخوارزمي رحمه الله الفضل الكبير الذي عمل ثورة في علوم الرياضيات والتي منها حتى الآن يستخدم المبرمجون طريقته لعمل خطوات حل لكل مشاكلهم.
هو الإمام المحتدم محمد بن موسى الخوارزمي, ولد في خوارزم (جنوب شرق أوزباكستان) عام 780 ميلادياً وعمل أغلب حياته في (بيت الحكمة) ببغداد, كان على دين المجوسية واعتنق الإسلام في الفتح الإسلامي لفارس والعراق وصار مسلماً راشداً, قام بتأليف كتاب في (علم الجبر) في زمانه واشتهر بحل المعادلات الرباعية (المصفوفات) والخطية, انتشر كتابه انتشار النار في الهشيم فحصل عليه الأوروبيون وترجموه إلى اللاتينية في القرن الثاني عشر الميلادي, وأجمع كل علماء أوروبا أن كتاب (الكتاب المختصر في حساب الجبر والمقابلة) للشيخ محمد الخوارزمي أحدث ثورة نقلية ونوعية في علوم الرياضيات وفتح أبواباً كثيرة كان لها الفضل في إيجاد علوم حديثة وعلى رأسها علوم الكمبيوتر.
ترجم له القرطبي والإمام الطبري في (تاريخ الطبري) وابن النديم وغيرهم من المؤرخين, وذكروه بحسن الإسلام وبأنه كان بارعاً وحاذقاً في الرياضيات
كما أن إنجازاته لم تكن فقط في تقديم خطوات الحلول (الخوارزميات) بل أيضاً في إدخال النظام العشري في الحساب (Decimal), وبسبب كتابه القيِّم أخذ الغربيون منا الأرقام العربية الأصيلة وهي التي تُكتب الآن بالإنجليزية لإن الأرقام العربية التي نكتبها الآن هي في الواقع أرقام هندية وقد أوعزوا تلك الأرقام العربية الأصيلة إلى كتاب الجبر للخوارزمي, كما أنه أول من اكتشف أن القسمة على صفر نتيجتها هي اللانهائية وأن القسمة على صفر هو خطأ رياضي, كما أنه ألف كتاب (كتاب صورة الأرض) الذي استنتج فيه بشكل رياضي مواقع المحيطات والبحار والتي أثبتت العلوم المتأخرة موافقة كل ما جاء في (كتاب الأرض) للخوارزمي مع الواقع واعتبر هذا من معجزاته !! واعتمد العلماء الغربيون على هذه الحنكة الخوارزمية نظام الهبوط في الطائرات المعتمد على المعادلات الرياضية في حال انعدام الرؤية وهو المسمى (نظام الهبوط الآلي) أو ILS وهو Instrument Landing System.
هذا كتابه علم الجبر:
وفي الكتاب يظهر بعض المعادلات الرياضية المعقدة التي طرح لها الخوارزمي حلولاً جبرية
توفي عام 850 ميلادياً وانتشرت مخطوطاته في أقاصي الأرض, وإلى الآن النسخة الحية من كتابه في الجبر موجودة في متحف في برلين وجزء منها في أسطنبول وأثنى عليه كل علماء الرياضيات في الغرب وأثبتوا له الفضل العظيم بأنه (أبو الجبر).
رحمه الله رحمةً واسعة وجزاه الله عن الإسلام والمسلمين خير الجزاء